في أبريل الماضي بدأ الجيش الوطني الليبي آخر عملياته لتطهير ليبيا من الميليشيات الإرهابية المدعومة من الخارج، ونظراً لأهمية ليبيا في تفاعلات المنطقة، فإن الأطراف الفاعلة فيها حددت مواقفها كل طبقاً لتوجهاته ومصالحه، فمن كان متضرراً من الموجة الإرهابية التي اجتاحت المنطقة بعد «الربيع العربي» وقف مع الجيش الوطني، ومَن كان مستفيداً من الإرهاب متواطئاً معه وقف ضده، فيما انتقلت السياسة الأميركية من موقف لآخر، الأمر الذي يثير التساؤل حول أسباب هذا التغير وتداعياته على محاربة الإرهاب في ليبيا، واستعادة الدولة الوطنية فيها؟
ففي أعقاب بدء هجوم الجيش الوطني على طرابلس، بدا واضحاً أن الإدارة الأميركية تعارضه، حيث صرح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن بلاده تعارض العمل العسكري ضد «حكومة الوفاق»، وتحث على وقفه فوراً، ومع ذلك فقد اشتركت واشنطن مع موسكو في 18 أبريل في وأد المسعى البريطاني في مجلس الأمن للمطالبة بوقف إطلاق النار في ليبيا، مع أنه يحقق ما طالب به وزير الخارجية الأميركي. واكتمل التغير في الموقف الأميركي بما أعلنه البيت الأبيض في 19 أبريل من أن ترامب بحث في مكالمة هاتفية مع المشير خليفة حفتر، يوم 15 من الشهر ذاته، جهود مكافحة الإرهاب والحاجة لتحقيق السلام والاستقرار في ليبيا، وبلورة رؤية مشتركة لانتقال ليبيا إلى نظام سياسي مستقر وديمقراطي. وأضاف بيان المكتب الصحفي للبيت الأبيض أن ترامب «اعترف بدور المشير حفتر المهم في مكافحة الإرهاب وضمان أمن موارد ليبيا النفطية». ولم يُشِر البيان إلى سبب تأجيل الإعلان عن المكالمة أربعة أيام، لكن في أقل من أسبوعين حدث تحولٌ في الموقف الأميركي يكاد يكون بمقدار 180 درجة.
وفي منتصف الشهر الجاري أطلقت الإدارة الأميركية حواراً مع ما يُسمى «حكومة الوفاق الوطني»، في واشنطن، صدر عنه بيان دعت فيه الولايات المتحدة «القوات المسلحة العربية الليبية» إلى «إنهاء» هجومها على طرابلس، كي يؤدي ذلك إلى تسهيل مزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وليبيا لمنع التدخل الأجنبي غير المبرر وتعزيز سلطة الدولة الشرعية ومعالجة القضايا الكامنة وراء الصراع! وأكد الجانب الأميركي دعمه سيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات استغلال الصراع ضد إرادة الشعب الليبي!
لكن ما الذي يُفسر تحولات الموقف الأميركي؟ وما أثرها على مجريات الصراع في ليبيا؟
يمكن تفسير التحولات المتتالية في الموقف الأميركي بعاملين، أحدهما داخلي والآخر خارجي، ويشير العامل الداخلي إلى اختلاف الرؤى والتوجهات بين مؤسسات صنع السياسة الخارجية الأميركية والرئيس ترامب، وهي ليست بالظاهرة الجديدة، فقد سبق أن خرجت للعلن اختلافات بينه وبين كل من وزيري الدفاع والخارجية انتهت بخروجهما من دائرة صنع القرار بالاستقالة أو الإقالة. وبالنسبة للعامل الخارجي نذكر أن التغير الأول من موقف وزير الخارجية المناهض لحفتر إلى موقف ترامب المؤيد له، نُسِب إلى تأثير قادة الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة والمؤيدة للجيش الوطني الليبي، أما التغير الأخير فمن المرجح أنه يرتبط بالتقارير التي تحدثت عن دور روسي لصالح الجيش الوطني الليبي، ومن ثم خشيت واشنطن من تزايد نفوذ موسكو في منطقة بحساسية الشرق الأوسط والمسألة النفطية بغض النظر عن دقة هذه التقارير.
أما عن تداعيات الموقف الأميركي الأخير على الصراع، فيلاحظ أولاً أن هذا الموقف لا يتسم بالحدة، بمعنى أنه لم يفرض عقوبات أو ينذر بها، وإنما اكتفي بالدعوة إلى «إنهاء» الهجوم. ومن الملاحظ استخدام لفظ «إنهاء» وليس «وقف»، إذ إنه في العربية على الأقل يعني الوقف التوقف، بينما الإنهاء يسمح بإكمال المهمة.
وعموماً، فإن محاربة الإرهاب في ليبيا لا يمكن أن تتوقف بسبب ضغوط خارجية.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد